قصة قصيرة : صُبَيحة الإِعدَام

ذَاتَ صَبَاحْ دَلَفَ السَّجِينُ إِلَىـ الزّنْزَانَة عَارِياً مِنْ مَعَانِي الحَيَاة، مُطْمِساً يَدَاهُ بـ الأغْلالْ، و الجَماهِيرُ الـ مُحْتَشِدَة تَنْتَظرُ لَحْظَة مَوْتٍ أوْ حَياةْ، تَرْقَبُهُ بدَهْشَة الخُيُول، تَتَفَرّجُ منْ قَلْبِهَا/جَوْفِهَا لَحْظَة الطّعْنَة .
ظَهَرَ السّجِينُ للرُّؤَى، وَ بَحَرَكَة مَسْرَحِيّة أَنِيقَة، انْحَنَى لـ الجَماهِير مُحيّياً فدَوَت بـ الهُتافِ و التّصْفيق و يَخْتَلطُ ذَلكَ بأصواتٌ تُطَالِبُ بـ المَوْت كـ أنَّ ذَلكَ سَيُمْتِعُ الـ أَطْفَال الذِين تَغْسلهُم نَظرات الـ بَراءَة، و بائع الـ وَردِ الذِي أَكْمَلَ دَوْرَتَهُ الـ سابِعَة حَوْلَـ السّاحَة و النّسَاء اللّآتِي يَبْتَسِمْنَ بـ أَثوَابٍ مُسْتَعَارَة لـ تَحْتَفِل بِمَوْتٍ جَديدْ .
أمَّا هُوَ فَكَانَ يَرْتَحِلُ بـ عَيْنَيهِ بِقًدْرَة خارِقَة على اختراقِ المُعْجِزَات، وَلَمْ يَلْحَظ أبداً تِلْكَ الدَّمْعَة الشَّفافَة التِي كَانَت تُسافِرُ عَبْرَ خدَّهِ تَلِيهَا نَبَضاتَ هَارِبَة مِن جَسَدٍ سَيسْتَقيلُ عَنْ مَنْصبِهِ بِدُونِ مَشاهِد مُكَرّرَة، لَمْ يَلحَظ أحَدٌ غَرَقَهُ في اللَّحْظَة المُفْزَعَة، و بَحْثَهُ فِي عُيُونِ الأطفالْ عَنْ لَحْظَة فَرَح أو نِصْفُ إبْتِسَامَةٍ تعرِّيهِ عَن هَذَا الخَوْفِ المُرِيب، الذِي كانَ وَاضحاً لـ الرّؤيا  هُوَ عَزْمُهُ عَلَى خَوْض الـ تّجرِبَة الأَخيرَة فِي الحَيَاة، اصْرَارُهُ عَلَى إنْهَاءِ مِشوارِ النّبْضِ الأَخير .
كانَ الحَشْدُ يَتَهاتَفُون، فَتَخْتَِطُ الأصْواتُ مَعَ الصَّيحَات، حَاول أنْ يَسْتَوْعِبَ مَا يترُكه الصرَاخُ من صَدَى، لكن المُحَاولَة كَانت صَعْبَة بالنّسْبَة إليه، و فجأَة اقْتَرَب مِنْهُ طِفلٌ تَتْبَعُهُ اْبْتِسَاماتُ شَعْب، مُتسائلاً :
- أحقاًّ سَتَسْتَمْعُ بالمَوْت !؟
- أظنُّ أنَّ المًتْعَة سَتُصَاحِبُني فَقْط، حِينَ أُبْعِدُ وَجْهِي عَن هَذَا الحَشْد .
ابْتَعَد الطّفْلُ خَطوَتينِ صَوْبَ الغيابِ و ارتَسَمَتْ عَلَى وَجْهِهِ علامَة التّعجبْ فَأَرْدَفَ السَّجينْ بـ صوتٍ عالٍ :
- كلُّ الصّوَرِ خادِعَةٌ يَاصَغِيرِي .
فَدَخَل شَخْصَانِ ضَخْمَانِ مُقنّعَانْ فَأَدْرَكَ أَنّهُمَا قَاتِلاهْ و أنَّ كل هَذَا لَيْسَ مجرّدُ كَابُوسٍ سَتْخَتفِي ظِلالَهُ بَعدَ الفَجيعَة
فابْتَعَدَت خُطُواتُ الطّفْلِ صَوْبَ الحَشْدِ و تَتْبَعُهُ صَيْحَاتُ الحَشدِ و هُم يُردّدون "المَوْتْ،المَوْتْ" .
لفَّا الحَبْلَ حَوْلَ عُنْقُهِ حتَّى ضَاقِ بِه، فأَغْمَضَ عَيْنَيه لـ الحَياة وَ لـ اللحظَة و اخْتَفَت مَلامِحُ الإبْتِسَامة و بانَتْ عَوَارِضُ الـ حزْنِ وَ خيَّم الصّمْتُ على المَكَانْ، فنَظَر السَّجِينُ إلَى الحَشْدِ مُودّعاً زَغَارِيدَ النّساء و نَظَرات الإرتقاب . فَرُفِعَ الحَبْلُ و اخضَّرَت أَعضاؤُه، و صَارَ الفَصل مُشابهاً لـ آخرِ أيّامِ الخريف
فاستَحالَ الخشَبُ هَوَاءاً، فَتعلَّقَتْ قَدَماهُ فِي الفَضَاءْ

وَ.... كَانَتِ النَّهَآيَة

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة ©2012-2013 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . معلومة جديدة