¦ عنـدمـا تعلو الريـاح ● Kaze Tachinu● علينـا أن نهــيم في نسيمهـا ¦

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
عندما تعلو الرياح ، يجب أن نحاول العيش ، يجب أن نهيم في فضائهـا ، فالحياة فرص ، استغلالهـا سبيلنـا الأوحد للتقدم ، فهل سنمضي قدما تاركين وراءنـا الكثير ، أو ستزل مشاعرنا و تعترض طريقنا ؟
رتابة الحياة ، قتامة الواقع ، تشعل شرارة التحدي ، تلهب نار الاستشراف ، لن نترك للصدفة محضا ، لن يغدو الحظ خيارا ، فنحن هـاهنا ، لنصنع المستقبل بأيدينا ، مستقبلنا ومستقبل أمتنا !
 Kaze Tachinu 
Kaze Tachinu pictureKaze Tachinu
إســــــ،م الفـــــــيلـم : Kaze Tachinu

تـــاريخ الإصـــــــــدار : 20 يوليوز 2013

الأســــتوديو المنــــتج : Studio Ghibli

الكاتـــب والمخـرج : Miyazaki Hayao

الصنف : درامي ، تاريخي ، رومنسـي

المـــــــدة : سـاعتـــان و 6 دقائـــــــق

التــصنيـــــف العمــــري : +13 سنــة

؛
أستوديو غيبلي ، فخامة الإسم و هيبة الحضور عنـاصر أثثت فضاء أحد أعظم أستوديوهات إنتاج أفلام الإنمي مدججا بإنتاجاته الخالدة في أذهان المشاهدين ، مدعمـا بمخرجيه الهائمين في فضاء الإنمي وفارضا لحضوره القوي بشعبيته الكاسحة ، وكلما ذكر إسم غيبلي إلا واقترن به الإسم العملاق Hayao Miazaki ، فزيادة على كونه أحد مؤسسي الأستوديو ، فهذا الكاتب ، المانغاكا ، المخرج والسيناريست استطاع بأعماله الكبيرة اكتساح الساحة داخل ربوع اليابان أو خارجها ، وتربع على عرش البوكس أوفيس الياباني محققا إيرادات أقل ما يقال عنها " فلكية " عبر روائعه التي نذكر من بينها Spirited Away , Princess Monoke و Howl's Moving Castle . إجتماع هذين الإسمين ، في عمل واحد لا يمكن إلا أن يكون خير دافع لمشاهدته ، و استشعار لمسة ميازاكي وإطاراته الموضوعاتية المعتادة ، المرتكزة غالبا على العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا ، مكارم الأخلاق وكذا علاقات الحب والوفاء ، والتي جسدهـا في Kaze Tachinu رائعة 2013 . وصل الفيلم إلى أرض الواقع بفكرة من المخرج Toshi Suzuki ، والذي ألح على تحويل " هبة رياح " من مانغا أشرف على رسمها ميزاكي في أوقات فراغه و وراحته إلى فيلم ، وهو الشيء الذي لاقى معارضة من ميزاكي في بادئ الأمر إلا أن المطاف انتهى به راضخا لرغبات الطاقم المحيط به وتحويل ما اتخذه كمنفذ لتمضية الوقت إلى حقيقة .تمحورت قصة هبة رياح ، حول [ جيرو ] ، بطل الفيلم ، والذي يحلم منذ نعومة أظافره بالعمل كمصمم للطائـرات ، مستلهما حلمه من المصمم الإيطالي العالمي [ كابروني ] والذي اجتاحت طائراته مختلف بقاع العالم . بانظمامه إلى إحدى شركات الهندسة الطيرانية اليابانية في 1927 ، أصبحت لجيرو فرصة لترجمة حماسه ، إلهامه وذكائه الفذ إلى واقع يقوده ليكون أحد أكثر مصممي العالم نجاحا . على بساطة قصته ، تخللت أحداث الفلم إضفاءات للطابع الدرامي الرومنسي ، حياة البطل اليومية ، علاقاته مع مختلف مكونات محيطه ، طباع شخصيته ، عواطفه وكذا علاقة حبه الصادقة ، دون نسيان القيمة التاريخية التي لم يهملهـا الفيلم ، و حاول جاهدا تجسيد الفترة اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية بشتى حذافيرها . محاور وأخرى ، أسندت الفيلم إلى جانب الإتقان نسبيا في تقديم أطروحته .
ما الذي يعنيه أن تمتلك حلما ؟ ما المغزى من التعلق به ؟ كيف تستطيع المضي قدما لتحقيق غايتك الوحيدة ؟ كيف تستطيع التوفيق بين مبادئك ، أهدافك ، مهنتك و حياتك الشخصية ؟ هذه هي الخطوط العريضة التي ارتكز عليها الفيلم للوصول إلى سيرورة أحداثه . أصل كل حلم هو الطفولة ، وهذا ما استعرضه الفلم ، مسلطا الضوء على تعلق [ جيرو ] بمجال الطيران منذ الصغر ، والذي كان يشغل باله و خاطره بل ويطارده إلى منامه خالقا عالما فنتازيا بين البطل وملهمه [ كابروني ] يتشارك فيه كلا الطرفين حديثا حول ما يصبو إليه كل منهما . بنـاء شخصية [ جيرو ] أوليت له حصة الأسد في مختلف فترات الفيلم ، مستعرضا الشهامة والشجاعة والإيثار تارة ، والرغبة في العمل والتعلم والتقدم نحو الأمام تارة أخرى . لذلك فالـ Kaze Tachinu انبنى قاعديا على الشخصية الواحدة ، حيث افتقدت بقية الشخصيات للحضور القوي داخل الأحداث و الإرادة الحرة ، وكانت توظف كعناصر و متغيرات في حياة البطل للعمل على دراسة طريقة اندامجه مع مجتمعه و محيط عمله . كما تعودنا من ميزاكي ، فالمحاور التي يعالجهـا داخل أفلامه دائمـا ما تتسم بالواقعية ، حيث نجح في إيصال أطروحته بأبسط الطرق ، فما الذي قد تكلفه التكنولوجيا داخل مجتمع ينهش الفقر هيكله مثل المجتمع الياباني القديم ؟ مجتمع افتقدت فئات عريضة منه لأبسط ظروف العيش الكريم ، والتي كان بالإمكان توفيرهـا لو لم تروي ميزانياتها عطش التطور العلمي والتكنولوجي ، فهل ستستطيع تكريس نفسك لعمل تعلم داخل قرة نفسك أنه قد فوت فرصة الحياة الهنيئة على أبناء بلدك ؟ و بعيدا عن القضايا المجتمعاتية ، استعرض ميزاكي زيادة على ذلك ، خصال الحب ، الوفاء والتضحية بالشكل المطلوب في فلمه ، حيث استطاع تسليط الضوء حول ما يقتضيه تحقيق حلمك من تضحيات قد تطال المقربين لك و توائم روحك ! . ليس هذا فحسب ، فالفيلم يعتبر مرجعا بحد ذاته للطريقة التي استطاع بها الكوكب الأزرق الوصول إلى ما هو عليه ، بعد تخلفه عن العالم المتطور بعقود وتدني مستوى الوعي العلمي داخله ، فلم يكن التقدم محض صدفة أو رصاصة حظ طائشة ، بل كان ثمار بذور غرستها رجالات اليابان ، سقتهـا بأهدافها و رغبتها في التحصيل ، اعتنت بهـا بطموحها لانتشال البلد من حالته الضعيفة ، و بدأت بقطفهـا بجهودها لتحويل الحلم إلى واقع .
أثارتني الطريقة التي استطاع ميازاكي محاكاة الحقبة اليابانية القديمة بها ، في الفترة 1927-1949 ، حيث أعطى صورة لطوكيو راعى فيهـا أدق التفاصيل: اللباس ، المساكن ، ورشات العمل ، الطباع الشخصية ، الأوضاع الاجتماعية بل وحتى العلاقة مع الـدول الأوروبية ، مع بعض الإضافات والإشارات حول التجهيز للحرب العالمية الثانية واضطرار اليابان للخوض في سوادها .تم تسليط الضوء كذلك على النظرة الظالمة التي يلقاها الإنسان الياباني داخل دهاليز الغرب ، وتفاعل الحكومات مع التطور التكنولوجي في ميدان صناعة الطائرات الحربية ، مما يضع المشاهد داخل قلب الحدث بشكل كامل . المناظر الطبيعية و طريقة رسمها كانت متقنة للغاية من جميع الزوايا ، خصوصا أن مختلف الأحداث كانت تجري في أوساط مخضرة أو جبلية محضة ، فاستطاعت أن تعطي جوا من الهدوء والسكينة للفيلم .الأوستات كانت مثالية على قلة ظهورها ، واندمجت انسيابيا مع الرسم و زادته رونقا ، كما أضافت بعض الطابع الدرامي للأحداث .العمل الواقعي لميازاكي لم يتوقف عند المحاور التي طرحها في فلمه فحسب ، بل امتد إلى الدمج بين الحضارات داخله ، وأخص بالذكر هنا الألمانية و الإيطالية ، مستعينا بعامل أداءات الأصوات التي زيادة على تماشيها مع طباع الشخصيات ، استعملت اللغتين الألمانية والإيطالية في الحوارات التي استلزمت ذلك ، و احترام العادات و طرق التعامل التي تميزهم ، من طرق إلقاء التحية ، العزف ، الأكل ، التعامل .. الخ . من جانب آخر . الطبيعة الميكانيكية لعمل البطل [ جيرو ] فرضت حضورها أيضا ، فلم يتوارى الفيلم عن ذكر العديد من المعلومات الدقيقة حول مجال هندسة الطائرات ، بل وفي بعض الأحيان عرض تصاميمها القريبة للواقع غالبا ، ومحاكاة ورشات العمل ، التخطيط و التجريب بشكل ينم عن حرص كبير لتقديم منتوج واقعي للمشاهد ، لذلك فإن كانت للفلم نقطـة قوة كبرى ، فلن تخرج عن كونها الإتقان الإخراجي الذي قدمه ميازاكي داخل ردهات غيبلي .
حتى واعتبارا لكل ما سلف ذكره ، فلن أقول أن الـ Kaze Tachinu كان ذلك الفلم المثالي ، فإن وضعنـا جانبا الأفكار الجميلة التي عالجها والمحاكاة الواقعية التي قدمها ، طالت الفلم نشوبات كبيرة تعلق أغلبهـا بالسيناريو وسيرورة الأحداث ، وهذا يحيلنا إلى الظروف التي رافقت رسم ميازاكي للمانغا ، حيث لم تتسنى له فرصة تقديم حبكة متقنة نتيجة لرغبته في تمضية وقته الفارغ و الاستمتاع عبر إنجازها . فمن أكبر النقاط السوداء التي حركت خاطري ، الفراغات الزمنية الكبيرة بين حدث وآخر ، البعيدة كل البعد عن التروي والبنـاء الذي يمكن ان يدمج المشاهد مع نوعية القصة بالشكل المطلوب ، حيث أن الكاتب توقف عند أحداث بسيطة وأهمل أخرى كبيرة وتجاهل الوقت الكبير الذي عليها أن تشغله منطقيا داخل القصة . يمكنك أن تلاحظ كذلك تيهان الكاتب وعشوائية الأفكار والأحداث التي يطرحها دون أي تنسيق مع سابقتها ، كما أنه افتقد للبنـاء القاعدي للانعطافات والانعراجات المهمة في القصة ، فحتى وبكونها أشياءا مهمة ومفصلية في حياة الإنسان قد تتعلق بالابتعاد عن العائلة ، الشوق لملاقاة الأقارب أو الزواج ، فلم تحظى بالاهتمام الذي قد يرسخ دورها في القصة ، وفضل ميازاكي تقديم مشاهد مبعثرة على تكريس أهميتها . البنـاء السايوكولجي للشخصية البطلة [ جيرو ] تخللته عيوب على رأسهـا إدخال الجانب الفانتازي بشكل مبالغ فيه ضيع نسق الفيلم و سيرورته في أغلب الأحيان ، محيط [ جيرو ] لم يأخذ قسطه من الاهتمام كذلك ، فأغلب الشخصيات مالت إلى المثالية الزائدة واللامنطقية في بعض الأحيان ، والتي امتدت إلى تشكيل علاقات سريعة و خاطفة بينها ، كما تعطيك إحساسا ثابتا أنها مجرد بيادق يتم تحريكها على أهواء الكاتب ليمضي بالشخصية الرئيسية قدما ! بساطة الفلم أزالت عن ميازاكي عبء و عناء التعقيدات ، لكنه لعب بشكل كبير على بنـاء الفيلم بدعامات الشخصية الواحدة ، لكنه وحسب منظوري الشخصي فشل في استغلال القصة وتوظيف الأحداث كما يجب . من جهة أخرى ، افتقد الإنمي لتحريك يليق بجودة الرسم ، فقد كان منافيا للواقع في بعض المشاهد الخارجة عن إطار الطبيعة ، إضافة إلى بعض الأصوات التي أحيلت لهـا مهمة تهويل الكوارث الطبيعية والحرائق ، لكنها غدت غدو التحريك وبدت لي إزعاجا للمشـاهد أكثر مما هي مَنطــَقـَة للفيلم .
في النهاية ، وبشكل عام ، لن أقول أن الـ Kaze Tachinu ذلك الفيلم المثـالي الذي سوف يعطيك فكرة عن أمجاد غيبلي ، أو عن عظمة ميازكي ، فقد تخللته العديد من المشاهد الزائدة ، نتوءات في القصة ، فراغات في السيناريو وإهمال لبنـاء منطقي للشخصيات ، لكنه كان ذلك الفيلم الذي يمكنك أن تشاهده من أجل الترويح عن النفس ، فالواقعية والدرامية والمناظر الطبيعية أعطت رونقـا خاصا للفيلم ، و غطت على الكثير من عيوبه ، فإن كنت من عشـاق الإثارة التي لا تنضب ، فأنا لن أنصحك بـ " هبة رياح " فعنوانه خير مخبر حول طباعه ، لكن إن أردت الاسترخاء ، والشعور بالراحة ، وتذوق طعم الحياة ولو قليلا ، فستجد في هذا الفيلم جزءا كبيـرا من ظالتك ، من جانبي الشخصي ، استمعت بمشاهدة الفيلم و الكتابة عنه ، ولا أعتقد أن الأمر سيختلف كثيرا معـك عزيزي القارئ ! 

؛

هل أعجبك الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة ©2012-2013 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . معلومة جديدة